في الرد على الزنادقة: حتى نتطور مع إتباع ملتنا

Source: محمد الحمّار

ذهب العديد من منتقدي الإسلام إلى التركيز على الأنظمة القديمة مثل الرق والسبي وملك اليمين وهدم الأصنام وفرض الدية على غير المسلمين ومنع زواج المسلمة بمعتنق دين آخر وغيرها، وذلك لكي يحاولوا تبيين عدم صلوحية الإسلام لهذا العصر (انظر مقال سامي الذيب تحت عنوان “هل من وسيلة لتطوير الإسلام لملاءمة حقوق الإنسان” ).
إنّ مثل هذه المحاولات فاشلة على طول الخط. و لكي نشرح ذلك، رصدنا ما لا يقل عن ثلاثة أخطاء اقترفها منتقدو الإسلام.
أول خطأ هو أنّ منتقد الإسلام عادة ما يتناسى أن هذا الأخير كان قد تعامل مع واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي سابق له دون اللجوء إلى طرق ذات مفعول صدامي أو مفاجئ . هكذا أخذ الإسلام ما يكفي من الوقت للحث على تحرير المسلمين مما فسد من تلكم النظم مثل الرق وملك اليمين وتعاطي الخمر، أو لوضع شروط لنظم مازال المسلمون متعلقين بها مثل شرط العدل واستحالة العدل بخصوص تعدد الزوجات.
كما أنّ محاولات بعضهم إبعاد الإسلام عن دائرة التلاؤم مع العصر الحديث فاشلة لسبب آخر ألا وهو المزج بين أمرين مختلفين (انظر أدبيات مرتضى المطهري): من جهة، القوانين الإلهية التي تجسد ما يسمى بمقاصد الشريعة من حفظ للدين وللنفس وللعقل وللجسم وللمال، وهي قوانين ثابتة وصالحة لكل مكان وزمان. من جهة ثانية، الشريعة الإسلامية وهي النظام التشريعي الذي يتوخاه فقهاه الإسلام لسنّ قوانين ملائمة مع تلكم القوانين الثابتة التي تتضمنها الجهة الأولى.
ماذا يحدث حين يختلط الحابل بالنابل فينسف الوجه التقدمي للإسلام من ناحية ويمزج القانون الإلهي بالقانون الإسلامي الإنساني؟ طبعا يصبح الإسلام _معاذ الله_ موضع شبهات وشك واتهام بالتخلف. ومنه يطلق العنان للتخمينات والتصورات المجانبة للصواب من طرف أصحاب النوايا السيئة وناقصي العلم بهاته المسائل وللذين ينتمون إلى ديانات أخرى يكنّ أتباعها حقدا دفينا للإسلام والمسلمين.

إذن لن نستغرب في هذه الشروط أن نسمع من ألسنة هؤلاء ونقرأ من وحي أقلامهم أنّ الإسلام كان يشجع تأبيد الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الرديئة التي كانت سائدة في صدر الإسلام وأنه المسؤول عن تواصل العمل بها أو ببعضها إلى الآن على غرار هدم طالبان للأصنام أو فرض بعض الأنظمة السياسية نظام الحكم الشمولي بدعوى تطبيق الشريعة.
نصل هنا إلى الخطأ الثالث الذي عادة ما يقع فيه مهندسو استبعاد الإسلام من دائرة التقدم والرقي ومواكبة العصر، وهو ذاك الذي يتسم بالانحياز الفكري للغرب و_ضمنيا_ للديانة الأساسية للغرب_ المسيحية_وذلك انطلاقا من كون هذه الأخيرة قد استطاعت تطوير نفسها، على إثر مهازل القرون الوسطى وما حدث خلالها من استبداد كنيسي معادٍ للعلم وللعلماء ومناهض للتقدم المعرفي والعلمي.
صحيح أنّ المسيحية قد طورت نفسها من ذلك المنظور حيث أطلق العنان على إثر الإصلاح _ اللوثري والكالفيني بالخصوص_ للعقل الأوروأمريكي بأن ينجز المعجزات العلمية ومنه بأن يحدث الثورة الصناعية وما جاءت به من وسائل لتغيير العقليات ولتحسين جودة الحياة ، وهو ما ستستفيد منه الإنسانية قاطبة. هكذا تكون المسيحية قد طوّرت نظرة أتباعها إلى العلم وإلى أساليب التقدم.
لكن هذا التطور يعدّ ماديا فحسب، ومن منظور الإسلام ومقاصده، يعدّ مقتصرا على حفظ العقل والمال دون سواهما. لم تطور المسيحية عقيدتها المعنوية على غرار تطويرها لعقيدتها العقلية المادية. لم تطور المسيحية نظرتها إلى الآخر غير المسيحي والدليل أنها اعتنقت مذهب ” حِمل الرجل الأبيض” معتبرة أن سائر الإنسانية عبئا عليها وبالتالي يتوجب تهذيب هذه الإنسانية الأخرى، ولو تطلب الأمر تأديبها. وهو ما فعلته عن طريق الاستعمار المباشر.
كما أنّ المسيحية متمادية اليوم في تحقيق هدف تطويع سائر الإنسانية لإرادة الرجل الأبيض. اختلاق الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي تعدّ من وسائل التحقيق. ضرب العراق بعد توريطه مع جاره الكويت تعتبر علامة من علامات الهندسة المسيحية للاستيلاء على العالم (راجع تصريحات بوش الأب والعسكري كولن باول للتأكد من المنحى الديني للهجوم على العراق). أحداث سبتمبر/أيلول من سنة 2001 تعدّ من إرهاصات السياسة المسيحية المهيمنة. ضرب أفغانستان ثم استعمار العراق فتخريب ليبيا فإرباك سوريا والتدخل في بلدان إفريقيا جنوبي الصحراء، كلها محطات تتخذها المسيحية العالمية لاستحواذ على أراضي سائر الإنسانية _ المسلمين خاصة _ ومن ثمة مصادرة عقيدتهم الإسلامية.
من لا يتفطن إلى هذا الجانب من الأجندة _الخفية_ للغرب ولا يرى سوى الجانب الظاهر والجذاب للحضارة الغربية سيحكم على نفسه بالحرمان من المشهد كاملا، كالذي تابع شريطا سينمائيا مبتورا، وبالتالي سوف يظن أن الغرب لا يمارس الرق بينما ما يسمى “الرق الأبيض” حالة مستشرية في العديد من البلدان، وأنه حريص على صيانة الإنسان وضمان حقوقه ببنما تجارة الأعضاء الإنسانية تكاد تكون خبزا يوميا في أوساط غربية عديدة. بالكاد، من يغض الظرف عن الحرب الدينية التي يخوضها الغرب على المسلمين سوف يتخذ الجانب المخادع للحضارة الغربية على أنه نموذج للإتباع والمنوال الأوحد لتطوير الحياة، بما فيه تطوير الإسلام.
في ضوء هذا، أين تقع المسافة المتبقية والفاصلة بين المسلمين وبين التطور والتقدم؟ هل هي تقع على طريق إتباع المسلمين لنظم الغرب حتى لو أربكت هذه الأخيرة النظام الشمولي الإسلامي النظري، أم تقع على طريق التشفي من الغرب بواسطة فرض نظام شمولي على العالم على أنه نظام الإسلام، أم تقع على نهج التناول لقضايا المسلمين، واحدة بواحدة لكن من منظور شامل وموضوعي وعلمي، بما فيه القضايا العقدية، مقارَنة كانت أم أصيلة وذاتية في الوقت نفسه؟
Comments are closed.

Powered by WordPress. Designed by WooThemes

%d blogueurs aiment cette page :